رئيسية » الكتب » ما رشح من شقوق الخوابي
أي صورة متوفرة

ما رشح من شقوق الخوابي

 المؤلف: منى الماجري  الصنف: مجموعات شعرية  دار النشر: زينب للنشر  تاريخ النشر: 2023  الترقيم الدولي: 978-9938-39-226-5  عدد الصفحات: 100  الدولة: تونس  اللغة: عربية More Details
 وصف الكتاب:

في تأويل الظاهر والمخفي في “ما رشح من شقوق الخوابي”
“شيئا فشيئا كانت تقترب من رمل يشبه الطين /ثم رأيتها ترتطم بوجهه وتنكفئ على وجهها /هل كان ينبغي لها أن تسقط لكي أتعرف على / قلب البحر ووجهه وكتفيه ورأسه…”

في تأويل ما رشح من ملامح البدء
ما رشح من شقوق الخوابي هو العنوان الذي اختارته الشاعرة منى الماجري لمجموعتها الشعرية الجديدة. يرد العنوان مركبا موصوليا الموصول “ما” يعود على شيء ما أو أشياء، والصلة “رشح من شقوق الخوابي” تركيب إسنادي المسند هو الفعل “رشح” والمسند إيه هو ذلك الشيء الذي يرشح بمعنى ينضح أو ينز أي يسيل سيلانا خفيفا من الخوابي جمع خابية وهي الجرة العظيمة التي تُحفظ فيها السوائل من قبيل الزيت أو الخمر وضربهما، ماذا تقصد الشاعرة بهذا التركيب ما رشح من شقوق الخوابي”؟ هل تقصد سوائل ثمينة ذات قيمة ما؟ أم هي تقصد تحفا مليئة بالأسرار التي أخذت ترشح أي تظهر لتتكشف؟ أم تراها تقصد بالخوابي ما حبي في أعماقها، في ذاكرتها من شعور عميق رشح بفعل الكتابة من شقوق تلك الخوابي، ألسنا هنا أمام رشح هو بمثابة انبجاس التعابير نضحت من أعماق الوجدان؟ ألسنا أمام نصوص ترشحمن الداخل؟ هي هي نصوصها في هذه المجموعة؟ يحيلنا مثل هذا التصوّر على التعريف الذي اختاره جماعة القصيدة السردية التعبيرية حيث يقول بشأنها أنور غني الموسوي: “من خلال الجمع بين بنية سطحية نثرية جدا، منطقية متماسكة، وبنية عميقة شعرية جدا لا منطقية ومتشظية فإن القصيدة السردية التعبيرية تجسد التوافق بين النثر والشعر بأبهى صوره بدل التضاد بين النثر والشعر. إن القصيدة السردية التعبيرية تقدم التوافق النثر وشعري) بدل ما هو مستقر وراسخ من التضادّ النثر وشعري) (2) “كتابك الذي لم تكتبه بعد، لا يزال المخطوط مفتوحا، يسع خیاله غابات من المعنى ألم تنذره لكتابة اللا معنى والهزيمة وإفك الشعر والنثر؟”(3) في هذا المقطع من النص بعنوان “حدثني” تتجلى القصيدة السردية التعبيرية خير تجل حيث يتجسّد التوافق بين النشر والشعر، الكتابة في ظاهرها نثر وفي عمقها شعر بل هي في ظاهرها نثر وشعر معا، تركيب توصيلي إخباري كتابك الذي لم تكتبه بعد….” الخطاب يخبرنا عن لكتاب الذي لم يكتب بعد، يرد واضحا لا يستدعي تأويلا أو ما شابه، التركيب التالي: “ألم تنذره لكتابة اللا معنى والهزيمة وإفك الشعر والنثر” يرد غامضا، فيه انزياح يمضي بنا صوب الله مألوف واللا منطقي وربما إلى ما يسميه الرمزيون الصورة الفراغية والصورة الفراغية في هذا المجال (أي الشعر) تسقط اللغة، لأن اللغة فعل تواصل، وبالتالي عمل عقلي أولا، فلها، بهذا طبيعة نثرية. وعندما ترقى إلى مستوى الشعر، تفقد شيئا من خاصيتها النثرية، لكنها تحتفظ بجانب عقلاني فيها يكون شبيها بالرذاذ، لتبقى على اتصال بالواقع، وكذلك بالذات التي تستمد منها حضورها ومعناها، وبالتالي قدرتها على الفهم العادي. (4) وفي هذا المستوى يعانق الشعر كنه الوجود ويصير الشاعر خلاقا يأتي باللغة وفيها ما لا يؤتي.

في تأويل ما رشح من ملامح الحراك / الكتابة
هل الكتابة الشعرية في نصوص “ما رشح من شقوق الخبايا” كتابة ذات ملامح سردية تعبيرية في مجملها؟ هل هي قابلة للانكتاب في نظام الكتلة الواحدة مثلا؟ سنأخذ مثالا النص بعنوان “خواء” ونكتبه على النحو التالي: “كما لو أخطو بالليل في السقيفة في ذلك البيت العتيق أمد يدي أبحث عني في الضباب وكأنني تلاشيت في روح ذلك الليل يدي لا تتعثر بي وأرى ذراعا تعانق شيئا في الفضاء وأصغي لشكوى رجلي من ضياع الدرب ومن تيه الخطى عندما نقلت خطوي رأيت رمشي يحلق في الهواء كمثل طيار لا يدري أين يحط وقد نسيته أبراج السماء أتلمس شيئا باردا هو الحائط… هل هو الحائط أم هو بعض مني تلاشي؟ كان باردا جدا ولما ضمته يدي بكى وارتجف كان باردا جدا وصغيرا جدا ووحيدا جدا وكان يافعا جدا بعد لم يتعب … ولا من نهر الحياة ارتوى… أحشائي التي شاهدت معي شريط الحائط صرخت بي، هل يقدر حي على هذا الخواء؟ نحن هنا إزاء نص نثري من النشر الكامل يتشكل لوحة شعرية بديعة. فيما ذهب اليه أنور غني الموسوي في قوله: ” لقد صار واضحا أن السردية التعبيرية مقوم أساسي لقصيدة النثر المعاصرة ذات الكتلة النثرية الواحدة (one block) حيث ينبثق الشعر من رحم النثر ويحصل الشيء العجيب، بسرد واضح قريب مليء بالإيحاءات والرموز والإحساس، كتلة نثرية ما إن تصل القارئ حتى تتحوّل إلى كم هائل من الإيحاءات والدلالات والرموز والعواطف، مخترقة موطن الشعور والإحساس والجمال. (5) ألا يتوافق هذا التوصيف للقصيدة السردية التعبيرية ذات الكتلة الواحدة مع ما جاء في النص أعلاه؟ ألسنا إزاء كتابة شعرية تنهل من أعماق الذات وتبرق من أحشاء العتمة، لغة تتوهج تراكيبها وتتموج في حراك تعبيري آسر؟ تتموّج اللغة في القصيدة السردية التعبيرية عندما يتم التناوب بين التوصيل بمعنى التبليغ والإخبار والانزياح بمعنى الإيحاء والترميز، يبدأ النص بالتركيب التالي: “كما لو أخطو بالليل في السقيفة في ذلك البيت العتيق (6) يظهر الخطاب واضحا لا لبس فيه يخبرنا عن المتحدث وهو يتذكر حادثة ما ذات ليل في سقيفة البيت القديم، في التركيب الذي يليه تقول الشاعرة: أمد يدي أبحث عني في الضباب وكأنني تلاشيت ذلك الليل …(7) نحن هنا إزاء غموض يتمثل في اليد التي تبحث عن صاحبها في الضباب في شعور بالتلاشي في روح ذلك الليل، الضباب في حضرة الليل، والتلاشي في روح هذا الليل لا تفيد إخبارا عن موقف ما هي ضرب من المجاز يجعل الخطاب يغرق في الغموض. هذه التراكيب المتموجة بين الوضوح والغموض نرصدها في هذا النص في التناوب بين التركيبين التاليين: “أتلمس شيئا باردا هو الحائط … (8) تركيب توصيلي واضح وهل هو الحائط أم هو بعض مني تلاشي؟ (9) تركيب مجازي فيه غموض.

في تأويل ما رشح من ملامح المرايا والفسيفساء
النص بعنوان “رصيف” يستجيب هو الآخر لمواصفات القصيدة السردية التعبيرية حيث بالإمكان كتابته في صورة الكتلة الواحدة: “.. على الرصيف الطاولة كانت ضيقة بيننا وكأسان للنصف المليء، للنصف… الفارغ وكان الماء ليلي الحلى والنجوم شاهدات على أن عمر الثرثرة بلغ المدى.. وعلى أننا تعارفنا حتى لكأننا لا نعرف بعضنا والثرثرة توثق عبر المساء على مساحة الماء بيننا، ومدى ما تطاولت على الوجد والشوق وألحقتنا بالصفحات الصفراء تلك الصفحات الغنية المثقلة، ما أرهب التاريخ يطل من رائحتها الزكية رغم الرطوبة وأنا وأنت رددنا اسمينا طويلا على مسامعنا غير أن.. الثرثرة كانت تقول كل شيء وتعجز عن نطقنا وكل شيء يقول إن بشائر أمطار آتية وإن خضرة ما موعودة في دربنا وناب الخنزير يطل من البركة صوبنا جائع هو مع هدأة الليل سيزحف على ما اخضر ولم يخضر بعد.. موتنا أرى أدونيس مكفنا في أقماش عمرنا يلهج والأنفاس تتقطع منا وبنا وعشتار لا تتخلى عن الوعد تقول ينام الليل بنا ستة، ثم يستيقظ منا ما بقي وناب الخنزير يتوغل في مساءات الثرثرة وعشتار تكاد تسلّم بالأمر، تقول لا أدري إن كنت سأفوز بالعهد إن كنت سأواجه هذا الناب وهل يقدر لي البقاء وأنا وأنت وبيننا كأسان والطاولة تكتظ بنا، لا الثرثرة تنتهي ولا الليل يمر والصبح يعد ولا غيمة تحبل بنا، ولا برق في الأفق تنهمر بعده ونضحي على وجه اللقاح على وجه اللقاء ثرثرة على الرصيف ويا كم تعيدنا الثرثرة إلى بعضنا ثرثرة على الرصيف ويا كم تبعدنا الثرثرة عن خرائط وشمناها على درب ضحيتنا ثرثرة والكون ثابت و في القلب ألف وجهة والماء يم يستلقي بيننا، يصيبنا العطش ويعز على الزمان الرواء.” في هذا النص تتشكل لوحات آسرة تتوهج فيها اللغة وتتموج ويجيء فيها السرد ممانعا للسرد وممانعا للحكي، يجيء سردا مليئا بالأحاسيس والمشاعر يرشح من شقوق الخوابي، نجد في هذا النص لغة زاخرة بالدهشة والتكثيف تأخذنا بعيدا إلى عوالمها الجميلة … (10) وتتعدد في هذا النص زوايا النظر في الفكرة الأساسية / بؤرة القصيد، مما يحيلنا على خاصية أخرى من خاصيات القصيدة السردية التعبيرية ألا وهي لغة المرايا والنّص الفسيفسائي” التي يقول عنها نفس الكاتب : ” إن طرح الفكرة ذاتها بتراكيب لفظية مختلفة يمكن من القول إننا نظرنا إلى الشيء الواحد من زوايا متعددة، ومن هنا يمكننا أن نصف النص بأنه متعدد الزوايا، إلا أنه لو نظرنا إلى هذه التراكيب اللغوية فيما بينها فإننا سنراها تركيبية فسيفسائية، بحيث يكون كل تركيب مرآة لنفس الفكرة ولكن من زاوية خاصة، فإن ذلك يمكننا من أن نصف هذه اللغة بلغة المرايا ونصف النص بأنه نص فسيفسائي (11) الفكرة الأساسية في النص بعنوان “رصيف” هي الثرثرة على طاولة على الرصيف، هذه الثرثرة تشد إليها الاهتمام من زوايا مختلفة، المكان وهو الرصيف، والطاولة والكأسان والماء والنجوم هي بمثابة الاكسسوارات التي تزين المكان والزمان وهو المساء والمشاعر وما لحقها من أذى من الصفحات الصفراء والتاريخ الذي يطل رهيبا من رائحتها الزكية رغم الرطوبة. والطموحات في الحصول على الغيث وحضور الأساطير أدونيس وعشتار وناب الخنزير، هذه العناصر الواردة في التراكيب المشكلة للوحة التعبيرية أي النص تمثل أهم زوايا النظر إلى الثرثرة. هذه التراكيب المختلفة المشكلة للوحة “رصيف” وهي التراكيب ذات العلاقة بالأمكنة (الرصيف، الطاولة. الكأسان (والتراكيب ذات العلاقة بالأزمنة (الليل المساء، التاريخ …) والتراكيب ذات العلاقة بالمشاعر الوجد الشوق، الأماني والتراكيب ذات العلاقة بالأساطير أدونيس، عشتار ناب الخنزبر كل هذه التراكيب تشكل لوحة فسيفسائية تجعل كل تركيب منها مرآة للثرثرة من زاوية خاصة به.

ختاما
وتمضي بنا الشاعرة منى الماجري في “ما رشح من شقوق الخوابي صوب ينابيع الخلق والإدهاش هناك حيث يرشح الكلم الجميل من شقوق الأعماق، طوبي لشاعرتنا بهذه الينابيع البديعة وطوبى لنا بها شاعرة تشق الخوابي كما تشق المدى.
“لا النهاية تعرف البدء / ولا البدء يتعلم الانتظار مشيت مشيت / مشينا نحو بعضنا / .. ودائما كانت البلاد بيننا (12)

بوراوي بعرون
الكاتب العام لاتحاد الكتاب التونسيين
شاعر وقاص وناقد

 

 

 

 

 

متى الماجري
من مواليد مدينة منزل عبد الرحمان
أستاذة التعليم الثانوي بالمعاهد التونسية
متحصلة على شهادة الكفاءة في البحث من كلية الآداب والعلوم الإنسانية 1991
متحصلة على ماجستير اللغة والأدب العربي 2012
مستشارة بلدية ببلدية منزل عبد الرحمان
ناشطة ضمن جمعية المنهل الثقافي بمنزل عبد الرحمان
مؤسسة منتدى الموج للشعر والقصة
منسقة ومشرفة على ورشة القصة القصيرة ببنزرت
ممثلة سينمائية
بطولة شريط “ولدي” للمخرج محمد بن عطية
بطولة شريط “حفيد عائلة مراد” للمخرج المصري أبنوب يوسف
حاصلة على جائزة أفضل دور “نازلي” في شريط “ولدي” من مهرجان السينما التونسية 2019
صدر لها في الشعر ديوان “وجهها الآخر الذي لا يعرفني” عن الثقافية للنشر 2021
قيد الإصدار مجموعة قصصية


 رجوع